ظهور الليزر — الجزء االثالث

عندما أصبح ( مايمان ) جاهزاً لإجراء تجارب الليزر ، بدأت هيوز بعملية انتقال ضخمة تاركة مبانيها القديمة في المدينة كلفر بعد أن أسست مركز قيادة جديدة في ماليبو . و قد استغرقت هذه العملية أكثر من أسبوعين قبل أن يتاح ( لمايمان ) و زملائه تنظيم أنفسهم و البدء من جديد بتجاربهم الواعدة . و كانت الأداة التي أمضى ( مايمان ) شهوراً في التفكير فيها ، لإنتاج أول شعاع ليزر في التاريخ ، دقيقة جداً لكنها تبدو بسيطة في تصميمها . و يقرّ ( مايمان ) بأن العديد من صور الأولى لليزر الياقوت كانت ” زائفة تماماً ” . و قد اعتبر مصور هيوز الجهاز غير مثير للإعجاب و أصرّ على تصويره مع ما يتصل به أدوات من مختبره . و قد كان الليزر الحقيقي يتألف من أسطوانة الياقوت البنفسجية التي جلبت من شركة يونيون كاربيد ، و البالغ طولها سنتمترين اثنين ، و نصف قطرها سنتمتر واحد . و قد صقل طرفاها حتى أصبحا متوازيين ، وغطيت أطراف البلورة بالفضة المبخرة لتعمل كمرايا ، و قد كان لإحدى أغطية الأطراف ثقب يبلغ مليمتراً واحداً لإصدار الإشعاع . و قد و ضعت البلورة على محور المصباح الذي يحيط به أنبوب الومض لإصدار طاقة كافية لتهييج الذرات في الداخل . كان موعد الدكتور ( مايمان ) مع القدر هو السادس عشر من أيّار عام 1960، عندما استطاع توليد أوّل ليزر ناتج عن بلورة الياقوت ، حيث خشي أن يؤثر عدم صقل البلورات بشكل كاف في إنتاج شعاع ليزر مرئي ، فطلب ثلاث بلورات جاهزة و مصقولة من شركة يونيون كاربيد ـ كما استخدم ( مايمان ) بلورة صقلتها معامل هيوز . و قد أكّدت كل أدوات المختبر أن جهازه ينتج شعاع ليزر كثيف جداً و مترابط من خلال طرف البلورة المغطى جزئياً بالفضة .

مرحلة التسويق

كان ( مايمان ) يدرك بأنه صنع أداة ستكون متعددة الاستعمالات في المستقبل ، و أراد أن يتبع التقاليد العلمية المعروفة بنشر اكتشافه في مقالة علمية . و قد كانت الشركة تتحفز للفوز بالمقام الرفيع نتيجة لهذا الإنجار العلمي الضخم . و وصف ( جورج إف سميث ) ، الذي أصبح لا حقاً مدير مختبرات هيوز ، ما حدث بأنه ” سلسلة مضحكة من الأخطاء ” . لقد أرسل ( مايمان ) مقالاً بعنوان ” فعل الليزر الضوئي في الياقوت ” إلى المجلة العلمية المرموقة ( فيزيكال رفيو لترز ) ، و لكنها رفضتها لأنها اعتبرتها تهويلا لقصص الماسر . أما بحث ( مايمان ) الذي يحمل عنوان ” الإشعاع الضوئي المحثوث في الماسر المعتمد على الياقوت ” فقد نشر في مجلة نيتشر ( الطبيعة ) البريطانية بعد ثلاثة شهور من إنتاجه لشعاع الليزر . و نظراً اعدم رغمتها في الانتظار فترة أطول خوفاً من تمكن الآخرين من إنتاج الليزر ، فقد حددت مختبرات هيوز موعداً لمؤتمر صحفي شامل في فندق ديلمونيكو في نيويورك في السابع من تموز عام 1960. و كانت هذه ، في رأي ( مايمان ) أكبر حماقة ارتكبتها الشركة حتى الآن . لأنها و ضعته في موضع لا يحسد عليه مع المجلات العلمية التي كانت سياستها تقضي بالمطالبة بحقوق النشر الأولى . و الأهم من ذلك ، أنّ هيوز خسرت بذلك كل حقوقها العالمية من ليزر الياقوت ، فلم تكن هيوز قد قدمت طلب براءة ، نظراً لمعرفتها أن معها سنة كاملة لعمل ذلك بعد الإعلان الأول في الولايات المتحدة . و لكن هذه القاعدة لم تنطبق على الكثير من البلدان الأخرى . و يدعي ( مايمان ) بأن الشركة لم تتقدم بطلب البراءة حتى أعلن عن رغبته في المغادرة في نيسان من عام 1961. و قد أسفر المؤتمر عن نتائج زادت من مشاكل ( مايمان ) ، فقد حضر المؤتمر الكثير من المراسلين الصحفيين المرموقين الذين يمثلون عدداً من الصحف و المجلات العلمية في مختلف أنحاءالعالم ، و ألقى ( مايمان ) خطاباً عن ابتكاره ، مؤكداً على تسميته بالليزر و الماسر الضوئي ، و عرض نموذجاً يمكن فحصه عن قرب ، لكن طابع المؤتمر تغيّر خلال فترة الأسئلة و الأجوبة غير الرسميّة . ” لقد حدثت أشياء كثيرة ، نهض مراسل مجلة تايم و ضرب بحقيبته على الطاولة و قال : من الذي تحاولون خداعه هنا ؟ . و بدأ واضحاً أنه لم يصدق أي شيء قلناه ، فحاول مراسل صحيفة نيويورك تايمز شرح الموضوع له زاد غضبه ، و احمرّ وجهه و اعتقد بأنّ المراسل ينظر إليه باحتقار . و كانت مجلّة ( تايم ) المؤسسة الكبرى الوحيدة التي لم تنشر القصة ، مع أنها نشرت على الصفحات الأولى في كل صحف البلاد . و عندما نزلت عن المنصة ، تجمّع حولي بعض المراسلين لسؤالي و قد سألني أحدهم ، من مجلة ( شكياغو تربيون ) ، إن كان بالإمكان استعمال الليزر كسلاح ، و قد و ضحت بأنني ” ذكرت الكثير من الاستخدامات المحتملة : في الاتصالات و كأداة علمية للأغراض الصناعية و الكيميائية و الطبية ، لكنني لم أفكر به كسلاح ” . و لكّنه ألحّ عليّ ( و كانت أوّل مواجهاتي للصحافة ) فقلت أخيراً إنه قد يستعمل كسلاح مستقبلا بعد عشرين سنة ، فقال ” هذا كل ما أدرت معرفته ” . و في اليوم التالي كتبت صحيفة تصدر في لوس انجلوس بالخطوط العريضة الحمراء على الصفحة الأولى : ” رجل يكتشف شعاع الموت في الخيال العلمي ” . و كانت كلّ عناوين الصحف تقريباً في كل البلاد تدور حول هذا المضمون ، و كانت الصحيفة الوحيدة التي عرضت الموضوع بأسلوب علمي هي (نيويورك تايمز) ، فقد نشرته على الصفحة الأولى ، و لكنها لم تذكر شيئاً عن شعاع مميت ” . وصلت البلورات الضؤئية المصقولة من لايند إلىهيوز بعد أيام من المؤتمر الصحفي ، و قد و ضعها (مايمان) في جهازه و أنتج شعاع ليزر مرئياً بوضوح . فازت هيوز في السباق ، و لكنّ المختبرات الأخرى كانت تعمل على إنتاج أنواع أخرى من الليزر ، و في أو آخر عام 1960 ، تمكن فريق مختبرات (ب) برئاسه (علي جافاًن) من إنتاج أول ليزر غازي . و قد كان ليزر (جافان) مختلفاً جداً عن ليزر (مايمان) ، إذ استخدم 90 % من غاز الهيليوم و 10 % من غاز النيون كمادة نشطة ، و مرسل مذياعي لضخ ذرات الهيليوم حتى تصل إلى حالة الهيجان . و قد أثار ابتكار (جافان) العلماء فصنعوا العديد من الليزرات في مختلف المختبرات ، مستخدمين عدداً من الغازات الخاملة في عام 1961 و عام 1962، و كانت مشكلة معظم هذه الليزرات أنها لم تصدر أشعة مرئية ، أي أنها أصدرت أشعة تحت حمراء ، و هي أشعة أقلّ قوّة . و لقد أحرز العالم الأمريكي (دبليو إي بل) تقدماً مهماً في بحثه الابتكاري ، فقد استخدم غازاً مختلفاً ، و هو الزئبق ، لإنتاج شعاع ليزر مرئي . فاستطاع تحقيق النتائج المرجوّة بتغيير بناء غاز الزئبق بجعل ذراته الطبيعية تحمل شحنة موجبة و بذلك يكون قد حوّلها إلى أيونات . و قد أدى عمله إلى تطوير ليزرات تعتمد على الأيونات التي أصبحت مصادر فعالة لأشعة ليزر حمراء و خضراء قويّة ، لكنها قصيرة العمر . و كانت أوّل الليزرات تضخ عن طريق الأشعة الصادرة عن الالكترونات التي علمت أيضاً على تأيين الذرات في المادة النشطة . و قد حدت كميات الحرارة الناتجة في العملية من قوّة الشعاع و أدت إلى تلفه ، كما أدت عملية ربط المهبط ذي الشحنة السالبة و جدران الأنبوب بالأيونات ذات الشحنة الموجبة إلى نفس النتيجة . و قد تم لا حقاً إيجاد أساليب ضخ أفضل . طورت أنواع كثيرة من الليزر ، بما في ذلك التقدم الهام الذي حققته مختبرات (بل) في هذا الميدان عام 1965 ، فقد بيّن ( سي كيه إن باتل ) 0 طريقة عمل ليزر الغاز الجزيئي الذي كان أكثر قوة و فعالية من ليزرات الغاز السابقة ، فقد استطاع (باتل) إيجاد نظام جديد يسمى ” البناء الغازي المتدفق ” و الذي يبقي الغاز ذا الجزئيات الثقيلة متدفقاً بين مرآتين حيث يقذف بسيل من غاز النيتروجين المهيج . و يؤدي اصطدام الغازين إلى السماح لطاقة ذرات النيتروجين بتهييج الجزيئات الثقلية للغاز النشط المختار . و قد تمكّن (بل) من شرح فعل الليزر مع الأكسيد النيتري (الغاز المضحك) ، و ديسالفيد الكربون (ثنائي الكبريت الكربوني) و أول أكسيد الكربون ، و ثاني أكسيد الكربون .

 

من كتاب: المبتكرون، جون ديبولد، دار البشير، 1993

unriyo